تَعَلَّمَا الطُّبُوعَ التُّونِسِيَّة أَو لَا مَكَانَ لَكُمَا فِي الرَّشِيدِيَّة !

بقلم   فتحي زغندة
ماي 19, 2021, 4:17 م
آخر تعديل في أفريل 21, 2022, 7:36 ص

رسالة رئيس الرشيدية إلى حسونة بن عمار (ضرورة تعلّم علي السريتي ويوسف التميمي الطبوع التونسية) - 18 جانفي، 1941 رسالة بخط اليد من مصطفى الكعاك، رئيس الرشيدية، إلى حسونة بن عمار (أحد الفاعلين في تأسيس الرشيدية والمواكبين لأنشطتها الفنية)، يلفت فيها النظر إلى ضرورة أن يتعلم كل من علي السريتي، عازف العود، ويوسف التميمي، منشد بالفرقة الموسيقية، الطبوع التونسية، اعتبارا أن الجمعية تعمل على الحفاظ على خصائص الموسيقى التونسية ونشرها.   

مصطفى الكعّاك (1893 - 1986)

مصطفى الكعّاك محام ألمعي ورجل سياسة تونسي نشأ في عائلة ذات أصول أندلسيّة لها معرفة بالمالوف وبطبوعه وإيقاعاته. درّس بالمدرسة الصادقيّة ثمّ الحقوق بفرنسا وعمل بعد أن تخرّج محاميا في البداية ثم تقلّب في عدّة مناصب إداريّة وسياسيّة ومنها رئاسة الحكومة التونسية (1947- 1950).
له نشاط اجتماعي محمود وترأّس أهمّ الجمعيّات الثقافيّة والرياضيّة في تونس ومنها المعهد الرشيدي إثر وفاة رئيسه الأوّل مصطفى صفر في سنة 1941 واستمر في رئاسته إلى سنة 1965.
عرفت الرشيديّة في عهده كثيرا من الإنجازات ولعلّ أهمّها كتابة جلّ التراث التقليدي التونسي المعروف بالمالوف بالترقيم الموسيقي الحديث وتسجيل النوبات وطبعها على اسطوانات ذات 33 لفة.
جاء في تعليق صحفي على حفل قدمه المعهد الرشيدي بالنادي العسكري ببنزرت أن رئيسه « السيد مصطفى الكعاك كان يصاحب كل قطعة موسيقية بتعاليق مفصّلة وعلى هذا النحو عرف الجمهور مختلف طبوع الموسيقى العربية ».

هذا ما يفهم من المذكّـرة التي وجّهها مصطفى الكعّاك منذ إشرافه على الرشيديّة إلى حسُونة بن عمّار، « مراقب فرقة الرشيديّة » بتاريخ 18 جانفي 1941، أنذر فيها كُلاّ من علي السريتي، عازف العود بالفرقة الموسيقية، ويوسف التميمي، منشد بالمجموعة الصوتية، ولام عليهما عدم قدرتهما على أداء الطبوع التونسية - ربّما لجهلهما بخصائصها أو من باب الاستنقاص لها - وتعكس المذكّرة توجّها واضحا للمشرفين على الجمعية التي بعثت للمحافظة على الموروث الموسيقي التّونسي بخصائصه المتمثّلة أساسا في الطّبوع والإيقاعات التي تميّزها عن سائر التعبيرات الموسيقية في الوطن العربي. وقد يكون الإنذار الموجّه سببا في عدم استمرار المعنيَّين في العمل بالرّشيديّة.
وللتّذكير فإنّ علي السريتي (1919 – 2007) التحق بالرّشيدية سنة 1935، بعد أن تعلّـم مبادئ العزف على العود وصناعته على يد عبد العزيز الجميل (1895 – 1969)، وأصبح يعتبر من أهمّ عازفي العود على الطريقة المشرقيّة التي تميّـز فيها إلى آخر حياته، حيث تأثّـر بالمدرسة التّركيّة الحديثة في العزف على العود التي يمثّـلها الشّريف محي الدين حيدر (1892 – 1967) الذي أدخل تقنيات جديدة في العزف على هذه الآلة، ومن أشهر تلامذته العراقيين الأخوان جميل ومنير بشير وسلمان شكر. وظلّ علي السريتي محافظا على نهجه المشرقيّ سواء في عزفه أو في اختياراته الموسيقيّة بمناسبة العروض التي أشرف عليها ومن بينها عرض « عودة الطرب » بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية سنة 1994.
أما يوسف حمام (1921 – 1983)، المعروف بيوسف التميمي، فقد بدأ الإنشاد في إطار إحدى فرق السّلامية بمنزل تميم، مسقط رأسه، وحفظ موشّحات وأدوار أساطين الفنّ في مصر على غرار سلامة حجازي (1852 – 1917) وعبده الحامولي (1836 – 1901) وسيّد درويش (1892 -1923)، ولفت الأنظار بجمال صوته وصفاء نبراته وأدائه المتميّز فالتحق بفرقة محمد بن محمود للمدائح السّلامية بتونس، ثم تابع دروس الرّشيديّة في أوائل أربعينات القرن العشرين، ومنها التحق بفرقة الإذاعة التّونسيّة نهاية الخمسينات، حيث ساهم في تسجيل عدد هامّ من الموشّحات المصرية تحت إشراف عازف القانون المصري فهمي عوض، ومن ذلك الحين أصبح من نجوم الغناء في تونس ولقّب بـ « شحرور الخضراء » وترك أكثر من 135 أغنية أدّاها بصوته، 35 منها من ألحان الشاذلي أنور، أشهرها في مقامي الراست والبياتي).
إنّ الحرص الذي أبداه رئيس الرشيدية سنة 1941 على احترام خصوصيات الموسيقى التونسيّة التّراثيّة يجعلنا نطرح السؤال : هل حافظت الرشيديّة على هذا المنهج في ما أنتجته وقدّمته من أعمال موسيقية منذ تأسيسها إلى يوم الناس هذا ؟ ذلك ما يتطلّب دراسة مستقلّة.



نصّ المكتوب الموجّه من مصطفى الكعاك إلى حسونة بن عمار

السيّد علي السّريتي
السيّد يوسف التّميمي

المُحتَرَمُ الأَغَرُّ الأَكْمَلُ سِيدِي حْسُونة بن عمّار مُرَاقِبُ فرقة الرشيديّة حَرَسَ اللّه كمالَه،

المَرْغُوبُ مِنْكُمْ أَنْ تُعْلِمُوا الأَوَّلَ أَعْلَاهُ أَنَّ وَاجِبَهُ بِالرَّشِيدِيَّةِ يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَعَلَّمَ الاسْتِخْبَارَ عَلَى العُودِ بِالطُّبُوعِ التُّونِسِيَّةِ وَأَنْ تُعْلِمُوا الثَّانِيَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الطُّبُوعَ التُّونِسِيَّةَ لِيَقُومَ بِالإِنْشَادِ فِيهَا عِنْدَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَفْتَحَ فَاهُ وَيُسْمِعَ صَوْتَهُ مَعَ المُغَنِّينَ وَالمُغَنِّيَاتِ عِنْدَ تَأْدِيَتِهِ المَذْهَبَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي وُجُودِهِمَا بِالجَمْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَعْهَدٌ لِلْمُوسِيقَى وَالَأغَانِي وَالأَلْحَانِ التُّونِسِيَّةِ.
وَسَيَجِدُونَ فِي الجَمْعِيَّةِ مُسَاعَدَةً عَلَى ذَلِكَ مِنَ المُعَلِّمِينَ إِثْرَ تَحْرِيرِ جَدْوَلِ أَوْقَاتِ التَّعْلِيمِ.

الإِمضاء مصطفى الكعّاك [رئيس جمعية الرشيدية]
18 جانفي 1941

وَقَعَ إِعْلَامُ النَّفْرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ بِمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا القَرَارُ
18 / 1 / 1941 حسونة بن عمار

حسونة بن عمار ( - 1951)

ولد بحي الحلفاوين بالعاصمة أوائل تسعينات القرن التاسع عشر، درس بجامع الزيتونة وعند تخرجه عين وكيلا لدى المحاكم الشرعية، انخرط في جمعية "الشهامة" المسرحية وقام بتمثيل أدوار في بعض المسرحيات، كما أدى الأناشيد الصوفية في عروض المنشد سلامة الدوفاني. حقظ جانبا من المالوف والعزف على آلات الإيقاع، تعرف على أبرز شيوخ الموسيقى التقليدية، وفي مقدمتهم الطاهر المهيري وعلي باناواس وخميس ترنان ومحمد غانم ومحمد المملوك، ، قدم مداخلة حول الموسيقى التونسية على هامش مشاركة الوفد الفني الذي مثل تونس في المؤتمر الأول للموسيقى العربية بالقاهرة (1932). ساهم سنة 1933 في تأسيس "النادي التونسي للموسيقى" الذي مهّد لتأسيس الرشيدية بعد سنة ونيف، وكان من بين العناصر التي ساهمت في تأسيس هذه الجمعية الجديدة التي "تعنى بالمحافظة على الأغاني التونسية وتدريس الموسيقى العربية" وقدّم أول عرض لها سنة 1935 إلى جانب المشاركة في الفرقة بالضرب على "الطار". شغل منصب "محتسب" للرشيدية وساهم إبداء الرأي في جوانب فنية من أنشطتها وهو الذي أطلق على المطربة صلوحة إسم "صليحة" التي أصبحت أولى مطربات الرشيدية. عين عضوا بالجمعية في فترة رئاسة كل من مصطفى صفر ومصطفى الكعاك.

علي السريتي (1918 - 2007)

بدأ حياته الفنية في ورشة عبد العزيز الجميل لصناعة الألات الموسيقية،حيث تعلم مبادئ العزف على العود وصناعنه، تأثر بأساطين الموسيقى الموسيقى المشرقية من بينهم سيد درويش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وتأثر بالمدرسة التركية الحديثة في العزف على العود التي يمثلها االشريف محي الدين حيدر، أستاذ عدد من أهم الموسيقيين العراقيين من بينهم الأخوان جميل ومنير بشير وسلمان شكر. تلفى علي السريتي دروسا في الموسيقى في مدرسة العطارين على يد علي الدرويش الحلبي، حيث حفظ عنه مجموعة من الأدوار والموشحات، وعن الأستاذ الإيطالي نيكولا بونورا وقد لقي منهما عناية خاصة، أصبح سنة 1935 عازفا على العود بفرقة الرشيدية، إلا أنه لم يواصل فيها العمل بسبب عدم إتقانه للموسيقى التونسية بطابعها المميز، أصبح سنة 1936 عازفا على العود بفرقة محمد التريكي وأسس مع قدور الصرارفي فرقة "شباب الفن" التي كانت تضم كلا من صالح المهدي وإبراهيم صالح، سافر سنة 1938 إلى باريس حيث اشتغل مع فرقة اشتملت على عازفين أغلبهم من تركيا، وانتدب للعمل بالإذاعة التونسية سنة 1957 بعد عودته من باريس وكلف برئاسة مصلحة الموسيقى وهي الخطة التي شغلها بصفة متقطعة حتى سنة 1980 تاريخ إحالته على التقاعد، درس آلة العود والغناء الشرقي ومن تلامذته أنور براهم ولطفي بوشناق. وظلّ علي السريتي محافظا على نهجه المشرقيّ سواء في عزفه أو في اختياراته الموسيقيّة بمناسبة العروض التي أشرف عليها ومن بينها عرض « عودة الطرب » بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية سنة 1994.

مصطفى الكعّاك (1893 - 1986)

مصطفى الكعّاك محام ألمعي ورجل سياسة تونسي نشأ في عائلة ذات أصول أندلسيّة لها معرفة بالمالوف وبطبوعه وإيقاعاته. درّس بالمدرسة الصادقيّة ثمّ الحقوق بفرنسا وعمل بعد أن تخرّج محاميا في البداية ثم تقلّب في عدّة مناصب إداريّة وسياسيّة ومنها رئاسة الحكومة التونسية (1947- 1950).
له نشاط اجتماعي محمود وترأّس أهمّ الجمعيّات الثقافيّة والرياضيّة في تونس ومنها المعهد الرشيدي إثر وفاة رئيسه الأوّل مصطفى صفر في سنة 1941 واستمر في رئاسته إلى سنة 1965.
عرفت الرشيديّة في عهده كثيرا من الإنجازات ولعلّ أهمّها كتابة جلّ التراث التقليدي التونسي المعروف بالمالوف بالترقيم الموسيقي الحديث وتسجيل النوبات وطبعها على اسطوانات ذات 33 لفة.
جاء في تعليق صحفي على حفل قدمه المعهد الرشيدي بالنادي العسكري ببنزرت أن رئيسه « السيد مصطفى الكعاك كان يصاحب كل قطعة موسيقية بتعاليق مفصّلة وعلى هذا النحو عرف الجمهور مختلف طبوع الموسيقى العربية ».

مصطفى صفَر (1892 - 1941)

تلقى تعلمه الايتدائي والثانوي بالمدرسة الصادقية بتونس إضافة إلى حفظه القرآن الكريم بأحد الكتاتيب، عمل مترجما بالكتابة العامة للحكومة وكاتبا خاصا للوزير مصطفى الدنقزلي، فمديرا للتشريفات بقصر الباي وتحوّل إلى مشيخة المدينة ورئاسة بلدية العاصمة، إضافة إلى إلقائه دروسا في الترجمة بمدرسة العطارين للترجمة والآداب. اشتهر بشغفه بالأنشطة الثقافية بمشاركته في نوادي الأدب والفن، وكان أحد مؤسسي جمعية الرشيدية سنة 1934
وأول رئيس لها.

يوسف التميمي (1918 - )

مطرب تونسي اشتهر في تونس أواسط القرن العشرين تعلم على الطاهرالنيالي. يحفظ عديد النوبات. ابتدأ الغناء بالدكاكين والمقاهي ثم التحق بفرقة ابن محمود للمدائح والأذكار والتحق بالرشيدية في جانفي 1940، ثمّ بالإذاعة التونسية في سنة 1975 وصار من أبرز منشديها. من أغانيه المشهورة "أنا جيتك يا رمال".


   وثائق الأرشيف المذكورة

ملف السيد علي السّريتي
ملف المطرب يوسف ين المولدي التميمي - 1940

مشاركة يوسف التميمي بحفل الرشيديّة بقرطاج (1971)

علي السريتي : مثلا لتقسيم على العود

تعليقات (0)

ليست هنالك تعليقات... يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق...